انسلال "مُلثمين" وسط المُحتجين ورد فعل أمني عنيف وأخطاء في التحقيقات.. الجمعية المغربية لحقوق الإنسان تقدم روايتها حول أحداث القليعة
قدمت المغربية لحقوق الإنسان، اليوم الأربعاء روايتها بخصوص الأحداث المأساوية التي وقعت في منطقة القليعة (عمالة إنزكان آيت ملول) على هامش احتجاجات "جيل زد" ليلة 1 و2 أكتوبر الماضي والتي خلفت مقتل 3 أشخاص خلال التدخل الأمني لإنهاء التخريب والاقتحام الذي طال سرية للدرك الملكي.
وحسب خلاصات التقرير الذي توصلت "الصحيفة" بنسخة منه، فإن الاحتجاجات التي شهدتها منطقة القليعة كانت قد انطلقت بشكل سلمي واستمرت لأكثر من ثلاث ساعات، قبل أن تعرف منعطفا مفاجئا بالقرب من مقر سرية الدرك الملكي، بعد "انسلال عدد محدود جدا من الأشخاص الملثمين من وسط المحتجين"، أقدموا على إضرام النار أمام بوابة السرية.
وأضاف التقرير أنه استنادا إلى شهادات وأشرطة فيديو وثقتها لجنة تقصي الحقائق التابعة للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، فإن قوات حفظ النظام كانت حاضرة بأعداد محدودة جدا، قبل أن تنسحب بشكل ملحوظ مع اندلاع الأحداث، في وقت كان يفترض فيه تعزيز التواجد الأمني وتأمين محيط مقر الدرك.
وسجل التقرير أن الضوابط القانونية المؤطرة لتفريق المظاهرات لم يتم احترامها في هذا الحدث، حيث لم يتم اللجوء إلى التنبيهات القانونية المعمول بها، ولا إلى الوسائل التدريجية المتعارف عليها، مخالفة بذلك مبدأ التناسب في استعمال القوة.
وتوقف تقرير الجمعية عند ما وصفته بـ"الفراغ الأمني" الذي شاب محيط سرية الدرك، إذ أشار إلى خلو المنطقة من أي حضور لقوات حفظ الأمن، سواء عناصر الدرك أو القوات المساعدة أو غيرها من التشكيلات، رغم حساسية الموقع والظرفية، لافتا إلى "تأخر" عناصر الدرك المتواجدين داخل مقر السرية في التدخل، رغم استشعارهم للخطر منذ اللحظات الأولى للاحتجاجات.
ووفق خلاصات الجمعية في تقريرها، فقد تم اللجوء إلى استعمال السلاح الوظيفي وإطلاق الرصاص الحي "بشكل كثيف وأحيانا بشكل عشوائي"، رغم ابتعاد المحتجين عن مقر الدرك بعد استعمال الغازات المسيلة للدموع والرصاص المطاطي، معتبرة أنه كان بالإمكان الاكتفاء بهذه الوسائل، مع اعتماد خراطيم المياه.
وتابع التقرير في هذا السياق أن إطلاق النار استمر حتى بعد تفرق المحتجين، الذين لم يكن عددهم يتجاوز 200 شخص، حيث تظهر أشرطة فيديو-وفق التقرير- استمرار استعمال الرصاص رغم سقوط ضحايا، وبعد أن فر المتظاهرون من المكان.
وانتقدت الجمعية الحقوقية في تقريرها "التأخر الكبير" في وصول التعزيزات الأمنية، التي لم تحضر إلا بعد وقوع "الفواجع"، في وقت خلت فيه الشوارع من المواطنين، رغم أن ثكنة القوات المساعدة لا تبعد عن مقر السرية سوى بثلاثة كيلومترات.
كما سجلت في هذا الإطار، غياب سيارات الإسعاف وعناصر الوقاية المدنية أثناء الأحداث، رغم أن حضورها يُعد إجراء احترازيا مألوفا في مثل هذه الحالات، وهو ما ساهم، حسب التقرير، في تفاقم الوضع الإنساني للمصابين.
وتحدث التقرير عن "تأخر واضح" في نقل المصابين بالرصاص الحي إلى المستشفيات، سواء إلى المستشفى الإقليمي بإنزكان أو مستشفى الحسن الثاني بأكادير، الأمر الذي اعتبرته الجمعية إخلالا خطيرا بحق المصابين في العلاج المستعجل.
وفي ما يتعلق بالخسائر المادية، أكدت الجمعية أنها ظلت محدودة، وشملت واجهة مركز خاص بالأشخاص في وضعية إعاقة، ومؤسسة تعليمية، وباب مقر سرية الدرك، وحرق سيارة تابعة للدرك، إضافة إلى أضرار خفيفة لحقت بسيارات خاصة وحاويات أزبال، دون تسجيل أي أعمال نهب أو سرقة أو تخريب للمؤسسات البنكية أو المتاجر.
وانتقد التقرير ما وصفه بـ"استباق" الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بأكادير لنتائج البحث القضائي يوم 2 أكتوبر، عبر تقديم سردية للأحداث تتضمن "خلاصات واستنتاجات غير مدعمة بمحاضر قضائية"، معتمدا على تسجيل فيديو "تم التلاعب بتسلسله الزمني واجتزاؤه بطريقة مكشوفة"، بحسب تعبير الجمعية.
وقالت الجمعية في تقريرها إن التحقيق في هذه الأفعال إلزامي بمقتضى قانون المسطرة الجنائية، وإن حوادث القتل تستوجب تعيين قاضي تحقيق، معتبرة أن الوكيل العام "لا اختصاص له" في الاحتفاظ بالملف، وكان عليه التماس فتح تحقيق قضائي مستقل.
وعلى مستوى الاعتقالات والمحاكمات، سجلت الجمعية تنفيذ "اعتقالات بالجملة" شملت قاصرين، وبعضها تم من المنازل دون احترام الشروط القانونية، إضافة إلى اعتقال أشخاص استنادا إلى محاضر استنادية أو استدعاءات شفهية، قبل عرضهم على القضاء بتهم وصفتها بـ"الثقيلة"، ثم صدور أحكام اعتبرتها "قاسية" وفي آجال سريعة غابت فيها، بحسب التقرير، ضمانات المحاكمة العادلة.
وختمت الجمعية تقريرها بسلسلة توصيات، من بينها المطالبة بفتح تحقيق محايد وشامل بإشراف جهة مستقلة، وإنجاز خبرات باليستية وطبية، وإعادة تشريح الجثث وتمكين العائلات من النتائج، وإحالة الملف على الفرقة الوطنية للشرطة القضائية.
كما أوصت بحماية أسر الضحايا من أي ضغوط، وتشديد احترام مبادئ الضرورة والتناسب والمشروعية في تدخلات القوات العمومية، معتبرة أن الاستجابة الجدية لمطالب المحتجين وتعزيز الحقوق الاقتصادية والاجتماعية تشكل المدخل الحقيقي للاستقرار.





تعليقات
بإمكانكم تغيير ترتيب الآراء حسب الاختيارات أسفله :